وأما قصة المنبر التي أشار لها القرطبي، وقال: إنها حجة من يجيز ارتفاع الإمام على المأموم؛ فهي حديث سهل بن سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس على المنبر في أول يوم وضع، فكبر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقرى فسجد وسجد الناس معه، ثم عاد حتى فرغ، فلما انصرف قال:"أيها الناس، إنما فعلت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي" متفق عليه.
أما أقوال الأئمة في هذه المسألة: فمذهب الشافعي فيها هو كراهة علو الإمام على المأموم. وكذلك عكسه إلا إذا كان ذلك لغرض صحيح محتاج إليه، كارتفاع الإمام ليعلم الجاهلين الصلاة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته على المنبر، وبين أنه فعل ذلك لقصد التعليم، وكارتفاع المأموم ليبلغ غيره من المأمومين تكبيرات الإمام، فإن كان ارتفاع أحدهما لنحو هذا الغرض استحب له الارتفاع لتحصيل الغرض المذكور.
قال النووي في شرح المهذب: هذا مذهبنا، وهو رواية عن أبي حنيفة، وعنه رواية: أنه يكره الارتفاع مطلقًا، وبه قال مالك والأوزاعي. وحكى الشيخ أبو حامد عن الأوزاعي: أنه قال تبطل به الصلاة.
وأما مذهب مالك في المسألة ففيه تفصيل بين علو الإمام على المأموم وعكسه. فعلو المأموم جائز عنده. وقد رجع إلى كراهته، وبقى بعض أصحابه على قوله بجوازه. وعلو الإمام لا يعجبه. وفي المدونة قال مالك: لا بأس في غير الجمعة أن يصلي الرجل بصلاة الإمام على ظهر المسجد والإمام في داخل المسجد.