اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤)}، وقوله هنا في سورة "مريم": {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)}، وقوله:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ... } الآية؛ إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)} التحقيق فيه إن شاء الله: أنه عبر بالماضي عما سيقع في المستقبل تنزيلًا لتحقق الوقوع منزلة الوقوع. ونظائره في القرآن كثيرة؛ كقوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَينَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ -إلى قوله- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وقوله تعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ}.
فهذه الأفعال الماضية المذكورة في الآيات بمعنى المستقبل؛ تنزيلًا لتحقق وقوعه منزلة الوقوع بالفعل، ونظائرها كثيرة في القرآن .. وهذا الذي ذكرنا؛ من أن الأفعال الماضية في قوله تعالى:{آتَانِيَ الْكِتَابَ} إلخ؛ بمعنى المستقبل هو الصواب إن شاء الله، خلافًا لمن زعم أنه نُبِّئ وأوتي الكتاب في حال صباه لظاهر اللفظ. وقوله:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} أي كثير البركات؛ لأنه يعلم الخير ويدعو إلى الله، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية {مُبَارَكًا أَيْنَ مَا}: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كنت. وقال ابن حجر في الكافي الشاف: أخرجه