للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مواضع متعددة من كتاب الله تعالى. وذلك أن موسى لما قضى الأجل الذي بينه وبين صهره، وسار بأهله راجعًا من مدين إلى مصر آنس من جانب الطور نارًا، فذهب إلى تلك النار ليجد عندها من يدله على الطريق، وليأتي بجذوة منها ليوقد بها النار لأهله ليصطلوا بها؛ فناداه الله وأرسله إلى فرعون، وشفعه في أخيه هارون فأرسله معه، وأراه في ذلك الوقت معجزة العصا واليد ليستأنس بذلك قبل حضوره عند فرعون؛ لأنه لما رأى العصا في المرة الأولى صارت ثعبانًا ولَّى مدبرًا ولم يعقِّب، فلو فعل ذلك عندما انقلبت ثعبانًا لما طالبه فرعون وقومه بآية لكان ذلك غير لائق، ولأجل هذا مرن عليها في أول مرة ليكون مستأنسًا غير خائف منها حين تصير ثعبانًا مبينًا. قال تعالى في سورة "طه": {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَال لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤) وقوله: {وَنَادَينَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيمَنِ} هو معنى قوله في "طه": {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}.

وقوله: {بِقَبَسٍ} أي شهاب؛ بدليل قوله في "النمل": {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧)} وذلك هو المراد بالجذوة في قوله: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ}، وقوله: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠)} أي من يهديني إلى الطريق ويدلني عليها؛ لأنهم كانوا ضلوا الطريق، والزمن زمن برد، وقوله: {آنَسْتُ نَارًا} أي أبصرتها. وقوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيكَ} قال بعض العلماء: لأنهما كانتا