هذه الآية الكريمة على نبيه إسماعيل بصدق الوعد يفهم من دليل خطابه -أعني مفهوم مخالفته- أن إخلاف الوعد مذموم. وهذا المفهوم قد جاء مبينا في مواضع أخر من كتاب الله تعالى؛ كقوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)}، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)} إلى غير ذلك من الآيات. وفي الحديث:"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أوتُمِن خان".
وقوله تعالى في هذه الآية:{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}، قد بين في مواضع أخر: أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك الذي أثنى الله به على جده إسماعيل، كقوله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا .. } الآية. ومعلوم أنه امتثل هذا الأمر. وكقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا .. } الآية. ويدخل في ذلك أمرهم أهليهم بالصلاة والزكاة؛ إلى غير ذلك من الآيات.
مسألة
اختلف العلماء في لزوم الوفاء بالعهد؛ فقال بعضهم: يلزم الوفاء به مطلقًا. وقال بعضهم: لا يلزم مطلقًا. وقال بعضهم: إن أدخله بالوعد في ورطة لزم الوفاء به، وإلا فلا. ومثاله: ما لو قال له: تزوج. فقال له: ليس عندي ما أصدق به الزوجة. فقال: تزوج والتزم لها الصداق وأنا أدفعه عنك، فتزوج على هذا الأساس، فإنه قد أدخله بوعده في ورطة التزام الصداق. واحتج من قال يلزمه: بأدلة منها آيات من كتاب الله دلت بظواهر عمومها على ذلك