للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المؤمنين إذا أدخلهم ربهم جنات عدن التي وعدهم {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا} أي في الجنات المذكورة {لَغْوًا} أي كلامًا تافهًا ساقطًا كما يسمع في الدنيا. واللغو: هو فضول الكلام، وما لا طائل تحته. ويدخل فيه فحش الكلام وباطله، ومنه قول رؤبة وقيل العجاج:

ورب أسراب حجيج كظم ... عن اللغا ورفث التكلم

كما تقدم في سورة "المائدة".

والظاهر أن قوله: {إلا سَلَمًا} استثناء منقطع، أي لكن يسمعون فيها سلامًا؛ لأنهم يسلم بعضهم على بعض. وتسلم عليهم الملائكة، كما يدل على ذلك قوله تعالى: {تَحِيُّهُم فِيها سَلَام (٢٣) .. } الآية وقوله: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ. ... (٢٤)} الآية. كما تقدم مستوفى.

وهذا المعنى الذي أشار له هنا جاء في غير هذا الموضع أيضًا كقوله في "الواقعة": {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إلا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)} وقد جاء الاستثناء المنقطع في آيات أخر من كتاب الله، كقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ.. } الآية؛ وقوله: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وقوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}، وكقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ..} الآية، إلى غير ذلك من الآيات. فكل الاستثناءات المذكورة في هذه الآيات منقطعة. ونظير ذلك من كلام العرب في الاستثناء المنقطع قول نابغة ذبيان: