ومعنى إيراثهم الجنَّة: الإنعام عليهم بالخلود فيها في أكمل نعيم وسرور، قال الزمخشري في الكشاف: نورث أي نبقي عليه الجنَّة كما نبقي على الوارث مال الموروث، ولأن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة قد انقضت أعمالهم، وثمرتها باقية وهي الجنَّة. فإذا أدخلهم الجنَّة فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى. اهـ. وقال بعض أهل العلم: معنى إيراثهم الجنَّة أن الله تعالى خلق لكل نفس منزلًا في الجنَّة ومنزلًا في النار، فإذا دخل أهل الجنَّة الجنَّة، أراهم منازلهم في النار لو كفروا وعصوا الله؛ ليزداد سرورهم وغبطتهم، وعند ذلك يقولون:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا ... } الآية. وكذلك يرى أهل النار منازلهم في الجنَّة لو آمنوا واتقوا الله لتزداد ندامتهم وحسرتهم، وعند ذلك يقول الواحد منهم: { لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧)}. ثم إنه تعالى يجعل منازل أهل الجنَّة في النار لأهل النار، ومنازل أهل النار في الجنَّة لأهل الجنَّة فيرثون منازل أهل النار في الجنَّة. وهذا هو معنى الإيراث المذكور على هذا القول.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: قد جاء حديث يدل لما ذكر من أن لكل أحد منزلًا في الجنَّة ومنزلًا في النار، إلَّا أن حمل الآية عليه غير صواب؛ لأن أهل الجنَّة يرثون من الجنَّة منازلهم المعدة لهم بأعمالهم وتقواهم، كما قد قال تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)} ونحوها من الآيات. ولو فرضنا أنهم يرثون منازل أهل النار فحمل الآية على ذلك يوهم أنهم ليس لهم في الجنَّة إلَّا ما أورثوا من منازل أهل النار، والواقع بخلاف