بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤)}؛ والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا، وقد قدمنا شيئًا من ذلك.
وقول الكفار الذي حكاه الله عنهم في هذه الآية الكريمة: {أَيُّ الْفَرِيقَينِ خَيرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)} الظاهر فيه أن وجه ذكرهم للمقام والندي: أن المقام هو محل السكنى الخاص لكل واحد منهم. والندي محل اجتماع بعضهم ببعض، فإذا كان كل منهما للكفار أحسن من نظيره عند المسلمين دل ذلك على أن نصيبهم في الدنيا أوفر من نصيب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت. ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر:
يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب
والمقامات: جمع مقامة بمعنى المقام. والأندية: جمع ناد بمعنى الندي وهو مجلس القوم، ومنه قوله تعالى:{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} فالنادي والندي يطلقان على المجلس، وعلى القوم الجالسين فيه. وكذلك المجلس يطلق على القوم الجالسين، ومن إطلاق الندي على المكان قول الفرزدق:
وما قام منا قائم في نديِّنا ... فينطق إلَّا بالتي هي أعرف
وقوله تعالى هنا: {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)}.
ومن إطلاقه على القوم قوله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)}.
ومن إطلاق المجلس على القوم الجالسين فيه قول ذي الرمة:
لهم مجلس صهب السبال أذلة ... سواسية أحرارها وعبيدها
والجملة في قوله: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)}؛ قال الزمخشري: