فإن قيل: ظاهر الآية أن لفظة {خَيرٌ} في قوله: {خَيرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيرٌ مَرَدًّا (٧٦)} صيغة تفضيل، والظاهر أن المفضل عليه هو جزاء الكافرين؛ ويدل لذلك ما قاله صاحب الدر المنثور، قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {خَيرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا}. يعني خير جزاء من جزاء المشركين. {وَخَيرٌ مَرَدًّا (٧٦)} يعني: مرجعًا من مرجعهم إلى النار. والمعروف في العربية أن صيغة التفضيل تقتضي مشاركة المفضل والمفضل عليه في أصل المصدر، مع أن المفضل يزيد فيه على المفضل عليه. والخيرية منفية بتاتًا عن جزاء المشركين وعن مرَدِّهم، فلم يشاركوا في ذلك المسلمين حتَّى يفضلوا عليهم.
فالجواب: أن الزمخشري في كشافه حاول الجواب عن هذا السؤال بما حاصله: أنَّه كأنه قيل: ثوابهم النار، والجنة خير منها على طريقة قول بشر بن أبي حازم:
غضبت تميم أن تقتل عامر ... يوم النسار فأُعْتِبوا بالصيلم
فقوله:"أعتبوا بالصيلم" يعني: أُرْضوا بالسيف، أي: لا رضي لهم عندنا إلَّا السيف نقتلهم به. ونظيره قول عمرو بن معدي كرب:
وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحيةَ بَينَهم ضرب وجيع
أي: لا تحية بينهم إلَّا الضرب الوجيع. وقول الآخر:
شجعاء جرتها الذميل تلوكه ... أصلًا إذا راح المطى غراثا
يعني: أن هذه الناقة لا جرة لها تخرجها من كرشها فتمضغها إلَّا السير. وعلى هذا المعنى فالمراد: لا ثواب لهم إلَّا النار.