كلها حق ويشهد لها قرآن. قال بعض أهل العلم {يَعْلَمُ السِّرَّ}: أي ما قاله العبد سرًّا {وَأَخْفَى (٧)} أي ويعلم ما هو أخفى من السر، وهو ما توسوس به نفسه؛ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)}. وقال بعض أهل العلم:{فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ}: أي ما توسوس به نفسه {وَأَخْفَى (٧)} من ذلك، وهو ما علم الله أن الإنسان سيفعله قبل أن يعلم الإنسان أنه فاعله، كما قال تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣)}، وكما قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)} فالله يعلم ما يسره الإنسان اليوم؛ وما سيسره غدًا. والعبد لا يعلم ما في غد، كما قال زهير في معلقته:
وأعلمُ علم اليوم والأمسِ قبلَه ... ولكنِّني عن عِلْم ما في غدٍ عَمِ
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَخْفَى (٧)} صيغة تفضيل كما بينا، أي ويعلم ما هو أخفى من السر. وقول من قال: إن {وَأَخْفَى (٧)} فعل ماض بمعنى أنه يعلم سر الخلق، وأخفى عنهم ما يعلمه هو؛ كقوله: {يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)}، ظاهر السقوط كما لا يخفى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ} أي فلا حاجة لك إلى الجهر بالدعاء ونحوه، كما قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، وقال تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} الآية. ويوضح هذا المعنى الحديث الصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع أصحابه