للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته كما ترى. وما أمر به موسى وهارون في هذه الآية الكريمة أشار له تعالى في غير هذا الموضع، كقوله {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

مسألة

يؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالرفق واللين؛ لا بالقسوة والشدة والعنف. كما بيناه في سورة "المائدة" في الكلام على قوله تعالى: {عَلَيكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قال يزيد الرقاشي عند قوله: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}: يا من يتحَبَّب إلى من يعاديه، فكيف بمن يتولاه ويناديه؟ اهـ ولقد صدق من قال:

ولو أنَّ فرعون لمَّا طغى ... وقال على الله إفكًا وزورا

أناب إلى الله مستغفرَا ... لما وجدَ اللهَ إلا غفورا

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)} قد قدمنا قول بعض العلماء: إن "لعل" في القرآن بمعنى التعليل، إلا التي في سورة "الشعراء": {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩)} فهي بمعنى كأنكم. وقد قدمنا أيضًا أن "لعل" تأتي في العربية للتعليل؛ ومنه قوله:

فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ... نكف ووثَّقتم لنا كل موثق

فلما كَفَفْنا الحرب كانت عهودكم ... كشبه سراب بالفلا متألق

فقوله: "لعلنا نكف" أي لأجل أن نكف.