وما أمر به الله موسى وهارون في آية "طه" هذه من أنهما يقولان لفرعون إنهما رسولا ربه إليه، وأنه يأمره بإرسال بني إسرائيل ولا يعذبهم. أشار إليه تعالى في غير هذا الموضع، كقوله في سورة "الشعراء": {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٧)}.
تنبيه
فإن قيل: ما وجه الإفراد في قوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالمِينَ} في "الشعراء" مع أنهما رسولان؟ كما جاء الرسول مثنَّى في "طه" فما وجه التثنية في "طه" والإفراد في "الشعراء"، وكل واحد من اللفظين: المثنى والمفرد يراد به موسى وهارون؟.
فالذي يظهر -والله تعالى أعلم-: أن لفظ الرسول أصله مصدر وصف به، والمصدر إذا وصف به ذُكِّر وأُفْرِد كما قدمنا مرارًا. فالإفراد في "الشعراء" نظرًا إلى أن أصل الرسول مصدر. والتثنية في "طه" اعتداد بالوصفية العارضة وإعراضًا عن الأصل، ولهذا يجمع الرسول اعتدادًا بوصفيته العارضة، ويفرد مرادًا به الجمع نظرًا إلى أن أصله مصدر. ومثال جمعه قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ} الآية، وأمثالها في القرآن. ومثال إفراده مرادًا به الجمع قول أبي ذؤيب الهذلي:
ألِكْني إليها وخير الرسول ... أعلمهم بنواحي الخبر
ومن إطلاق الرسول مرادًا به المصدر على الأصل قوله:
لقد كذب الواشون ما مُهْت عندهم ... بقولٍ ولا أرسلتهم برسول