للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قَال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} فيه للعلماء أوجه لا يَكذِّب بعضها بعضًا، وكلها حق، ولا مانع من شمول الآية لجميعها. منها: أن معنى: {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} أنه أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة والهيئة، كالذكور من بني آدم أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجًا. وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها في صورتها وهيئتها من الإناث أزواجًا؛ فلم يعط الإنسان خلاف خلقه فيزوجه بالإناث من البهائم، ولا البهائم بالإناث من الإنس، ثم هدى الجميع لطريق المنكح الذي منه النسل والنماء، كيف يأتيه، وهدى الجميع لسائر منافعهم من المطاعم والمشارب وغير ذلك.

وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، وعن السدي وسعيد بن جبير، وعن ابن عباس أيضًا {ثُمَّ هَدَى (٥٠)} أي هداه إلى الألفة والاجتماع والمناكحة.

وقال بعض أهل العلم {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} أي: أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه إلى ما يصلحه، وهذا مروي عن الحسن وقتادة.

وقال بعض أهل العلم {أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)}: أي أعطى كل شيء صورته المناسبة له؛ فلم يجعل الإنسان في صورة البهيمة، ولا البهيمة في صورة الإنسان، ولكنه خلق كل شيء على الشكل المناسب له فقدره تقديرًا، كما قال الشاعر:

وله في كل شيء خِلْقة ... وكذاك الله ما شاء فعل

يعني بالخلقة: الصورة، وهذا القول مروي عن مجاهد