الضمير في قوله:{مِنْهَا} معًا، وقوله:{وَفِيهَا} راجع إلى {الْأَرْضَ} المذكورة في قوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا}.
وقد ذكر في هذه الآية الكريمة ثلاث مسائل:
الأولى: أنه خلق بني آدم من الأرض.
الثانية: أنه يعيدهم فيها.
الثالثة: أنه يخرجهم منها مرة أخرى. وهذه المسائل الثلاث المذكورة في هذه الآية جاءت موضحة في غير هذه الموضع.
أما خلقه إياهم من الأرض: فقد ذكره في مواضع من كتابه؛ كقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الآية، وقوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الآية، وقوله في سورة "المؤمن": {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
والتحقيق أن معنى خلقه الناس من تراب: أنه خلق أباهم آدم منها؛ كما قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} الآية. ولما خلق أباهم من تراب وكانوا تبعًا له في الخلق صدق عليهم أنهم خلقوا من تراب. وما يزعمه بعض أهل العلم من أن معنى خلقهم من تراب أن النطفة إذا وقعت في الرحم انطلق الملك الموكل بالرحم فأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق الله النسمة من النطفة والتراب معًا، فهو خلاف التحقيق؛ لأن القرآن يدل على أن مرحلة النطفة بعد مرحلة التراب بمهلة؛ فهي غير مقارنة لها بدليل الترتيب بينهما