ذكرنا من الإشكال عندي في هذه الآية الكريمة: أن فرعون طلب من موسى تعيين مكان الموعد، وأنه يكون مكانًا سُوى، أي وسطًا بين أطراف البلد كما بينا. وأن موسى وافق على ذلك وعين زمان الوعد وأنه يوم الزينة ضحى؛ لأن الوعد لابد له من مكان وزمان. فإذا علمت ذلك؛ فاعلم أن الذي يترجح عندي المصير إليه هو قول من قال في قوله:{فَاجْعَلْ بَينَنَا وَبَينَكَ مَوْعِدًا} إنه اسم مكان أي: مكان الوعد، وقوله:{مَكَانًا} بدل من قوله موعدًا؛ لأن الموعد إذا كان اسم مكان صار هو نفس المكان فاتضح كون {مَكَانًا} بدلًا. ولا إشكال في ضمير {نُخْلِفُهُ} على هذا. ووجه إزالة الإشكال عنه أن المعروف في فن الصرف: أن اسم المكان مشتق من المصدر كاشتقاق الفعل منه، فاسم المكان ينحل عن مصدر ومكان. فالمنزل مثلًا مكان النزول، والمجلس مكان الجلوس، والموعد مكان الوعد. فإذا اتضح لك أن المصدر كامن في مفهوم اسم المكان، فالضمير في قوله:{لَا نُخْلِفُهُ} راجع إلى المصدر الكامن في مفهوم اسم المكان، كرجوعه للمصدر الكامن في مفهوم الفعل في قوله:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}؛ فقوله:{هُوَ} أي العدل المفهوم من {اعْدِلُوا} وكذلك قوله تعالى: {لَا نُخْلِفُهُ} أي: الوعد الكامن في مفهوم اسم المكان الذي هو الموعد؛ لأنه مكان الوعد، فمعناه مركب إضافي وآخر جزأيه لفظ الوعد وهو مرجع الضمير في {لَا نُخْلِفُهُ}.
فإذا عرفت معنى هذا الكلام الذي أخبر الله أن فرعون قاله لموسى؛ فاعلم أن قوله عن موسى {قَال مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} يدل على أنه وافق على طلب فرعون ضمنًا، وزاد تعيين زمان الوعد