التحقيق أن أتبع واتبع بمعنى واحد؛ فقوله:{فَأَتْبَعَهُمْ} أي: اتبعهم، ونظيره قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠)} وقوله: فـ {فَأَتْبَعَهُ الشَّيطَانُ} الآية. والمعنى: أن موسى لما أسرى ببني إسرائيل ليلًا أتبعهم فرعون وجنوده {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ} أي البحر {مَا غَشِيَهُمْ (٧٨)} أي: أغرق الله فرعون وجنوده في البحر فهلكوا عن آخرهم. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن فرعون أتبع بني إسرائيل هو وجنوده، وأن الله أغرقهم في البحر؛ أوضحه في غير هذا الموضع. وقد بين تعالى أنهم اتبعوهم في أول النهار عند إشراق الشمس، فمن الآيات الدالة على اتباعه لهم قوله تعالى في "الشعراء": {وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} يعني سيتبعكم فرعون وجنوده. ثم بين كيفية اتباعه لهم فقال: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَال كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)}.
وقوله في هذه الآية: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠)} أي أول النهار عند إشراق الشمس. ومن الآيات الدالة على ذلك أيضًا قوله تعالى في "يونس": {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا}، وقوله في "الدخان": {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣)} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على إتباعه لهم. وأما غرقه هو وجميع قومه المشار إليه بقوله هنا: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨)} فقد أوضحه تعالى في مواضع متعددة من كتابه العزيز؛ كقوله في "الشعراء": {فَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ