الصوت ويتبعونه. ومعنى {لَا عِوَجَ لَهُ} أي: لا يحيدون عنه، ولا يميلون يمينًا ولا شمالًا. وقيل: لا عوج لدعاء الملك عن أحد، أي: لا يعدل بدعائه عن أحد، بل يدعوهم جميعًا. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من اتباعهم للداعي للحساب، وعدم عدولهم عنه = بيَّنه في غير هذا الموضعِ، وزاد أنهم يسرعون إليه، كقوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)}، والإهطاع: الإسراع. وقوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}، وقوله تعالى:{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} أي: خفضت وخفتت، وسكنت هيبةً لله، وإجلالًا وخوفًا {فَلَا تَسْمَعُ} في ذلك اليوم صوتًا عاليًا، بل لا تسمع {إلا هَمْسًا (١٠٨)} أي: صوتًا خفيًّا خافتًا من شدة الخوف. أو {إلا هَمْسًا (١٠٨)} أي إلا صوت خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر. والهمس يطلق في اللغة على الخفاء، فيشمل خفض الصوت وصوت الأقدام؛ كصوت أخفاف الإبل في الأرض التي فيها يابس النبات، ومنه قوله الراجز:
وهنَّ يمشين بنا هميسَا ... إن تصدق الطير ننك لميسَا
وما ذكره جل وعلا هنا أشار له في غير هذا الموضع، كقوله {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَال صَوَابًا (٣٨)}.