حاتم عن ابن عباس، ورُوي أيضًا عن الحسن كما ذكره الألوسي وغيره. وعلى هذا القول فقد نَزَّل ما يقولونه ويسمعونه ويبصرونه منزلة العدم لعدم الانتفاع به؛ كما أوضحنا في غير هذا الموضع. ومن المعلوم أن العرب تطلق لا شيء على ما لا نفع فيه. ألا ترى أن الله يقول في المنافقين:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} الآية، مع أنه يقول فيهم:{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}، ويقول فيهم:{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} أي: لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم. ويقول فيهم:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} وما ذلك إلا لأن الكلام ونحوه الذي لا فائدة فيه كلا شيء؛ فيصدق على صاحبه أنه أعمى وأصم وأبكم، ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب:
صم إذا سمعوا خيرًا ذُكِرتُ به ... وإن ذُكِرت بسوء عندهم أذنوا
وقول الآخر:
أصم عن الأمر الذي لا أريده ... وأسمع خلق الله حين أريد
وقول الآخر:
قل ما بدا لك من زورٍ ومن كذب ... حلمي أصم وأذني غيرُ صمَّاء
ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب من إطلاق الصمم على السماع الذي لا فائدة فيه. وكذلك الكلام الذي لا فائدة فيه، والرؤية التي لا فائدة فيها.
الوجه الثالث: أن الله إذا قال لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} وقع بهم ذلك العمى والصمم والبكم من شدة الكرب واليأس من الفرج. قال تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (٨٥)}