الخامس: وهو أبعدها لظهور سقوطه: أن الرتق يراد به العدم. والفتق يراد به الإيجاد؛ أي كانتا عدمًا فأوجدناهما. وهذا القول كما ترى!
فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه الآية، فاعلم أن القول الثالث منها وهو كونهما كانتا رتقًا بمعنى أن السماء لا ينزل منها مطر، والأرض لا تنبت شيئًا ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات؛ قد دلت عليه قرائن من كتاب الله تعالى.
الأولى: أن قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يدل على أنهم رأوا ذلك؛ لأن الأظهر في "رأى" أنها بصرية، والذي يرونه بأبصارهم هو أن السماء تكون لا ينزل منها مطر، والأرض ميتة هامدة لا نبات فيها؛ فيشاهدون بأبصارهم إنزال الله المطر، وإنباته به أنواع النبات.
القرينة الثانية: أنه أتبع ذلك بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠)}. والظاهر اتصال هذا الكلام بما قبله؛ أي وجعلنا من الماء الذي أنزلناه بفتقنا السماء، وأنبتنا به أنواع النبات بفتقنا الأرض كلَّ شيءٍ حي.
القرينة الثالثة: أن هذا المعنى جاء موضحًا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)} لأن المراد بالرجع نزول المطر منها تارة بعد أخرى، والمراد بالصدع: انشقاق الأرض عن النبات. وكقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)} الآية. واختار هذا القول ابن جرير وابن عطية وغيرهما للقرائن التي ذكرنا. ويؤيد