وقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧)}. والقرينة المذكورة الدالة على أن المراد بالعجل في الآية ليس الطين قوله بعده: {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)}، وقوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)}. فهذا يدل على أن المراد بالعَجَل هو العَجَلَة التي هي خلاف التأنِّي والتثبت. والعرب تقول: خلق من كذا. يعنون بذلك المبالغة في الاتصاف؛ كقولهم: خلق فلان من كرم، وخلقت فلانة من الجمال. ومن هذا المعنى قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} على الأظهر. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (١١)} أي: ومن عجلته دعاؤه على نفسه أو ولده بالشر. قال بعض العلماء: كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى العلم والإقرار، ويقولون متى هذا الوعد؛ فنزل قوله:{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} للزجر عن ذلك. كأنه يقول لهم: ليس ببدع منكم أن تستعجلوا؛ فإنكم مجبولون على ذلك، وهو طبعكم وسجيتكم. ثم وعدهم بأنه سيريهم آياته، ونهاهم أن يستعجلوا بقوله: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)}، كما قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}. وقال بعض أهل العلم: المراد بالإنسان في قوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} آدم. وعن سعيد بن جبير والسدي: لما دخل الروح في عيني آدم نظر في ثمار الجنة، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام، فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة؛ فذلك قوله:{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}. وعن مجاهد والكلبي وغيرهما: خلق آدم يوم الجمعة في آخر النهار، فلما أحيا الله رأسه استعجل وطلب تتميم نفخ الروح فيه قبل غروب الشمس.