للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعنى بدل. وعليه فقوله: {مِنَ الرَّحْمَنِ} بدل الرحمن، يعني غيره. وأنشد ابن كثير لذلك قول الراجز:

جارية لم تلبس المرتّقا ... ولم تذق من البقول الفُسْتقا

أي: لم تذق بدل البقول الفستق. وعد هذا القول فالآية كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} أي بدلها ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر:

أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ... ظلمًا ويكتب للأمير أفيلا

يعني أخذوا في الزكاة المخاض بدل الفصيل. والوجه الثاني: أن المعنى {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} أي يحفظكم {مِنَ الرَّحْمَنِ} أي من عذابه وبأسه. وهذا هو الأظهر عندي. ونظيره من القرآن قوله تعالى: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيتُهُ} أي من ينصرني منه فيدفع عني عذابه.

والاستفهام في قوله تعالى: {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} قال أبو حيان في البحر: هو استفهام تقريع وتوبيخ. وهو عندي يحتمل الإنكار والتقرير؛ فوجه كونه إنكاريًّا أن المعنى: لا كالئ لكم يحفظكم من عذاب الله ألبتة إلا الله تعالى؛ أي فكيف تعبدون غيره؟! ووجه كونه تقريريًّا أنهم إذا قيل لهم: من يكلؤكم؟ اضطروا إلى أن يقروا بأن الذي يكلؤهم هو الله؛ لأنهم يعلمون أنه لا نافع ولا ضار إلا هو تعالى، ولذلك يخلصون له الدعاء عند الشدائد والكروب، ولا يدعون معه غيره، كما قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة "الإسراء" وغيرها. فإذا أقروا بذلك توجه إليهم التوبيخ والتقريع,