هذا المعنى هي قوله بعده: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (٤٤}، والاستفهام لإنكار غلبتهم. وقيل: لتقريرهم بأنهم مغلوبون لا غالبون فقوله: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (٤٤)} دليل على أن نقص الأرض من أطرافها سبب لغلبة المسلمين للكفار، وذلك إنما يحصل بالمعنى المذكور. ومما يدل لهذا الوجه قوله تعالى:{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} على قول من قال: إن المراد بالقارعة التي تصيبهم سرايا النبي - صلى الله عليه وسلم - تفتح أطراف بلادهم , أو تحل أنت يا نبي الله قريبًا من دارهم. وممن يُروى عنه هذا القول: ابن عباس وأبو سعيد وعكرمة ومجاهد وغيرهم. وهذا المعنى الذي ذكر الله هنا ذكره في آخر سورة "الرعد" أيضًا في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(٤١)}. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية "الأنبياء" هذه: إن أحسن ما فسر به قوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، هو قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧)}.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: ما ذكره ابن كثير رحمه الله صواب، واستقراء القرآن العظيم يدل عليه. وعليه فالمعنى: أفلا يري كفار مكة ومن سار سيرهم في تكذيبك يا نبي الله، والكفر بما جئت به {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أي بإهلاك الذين كذبوا الرسل كما أهلكنا قوم صالح وقوم لوط، وهم يمرون بديارهم. وكما أهلكنا قوم هود، وجعلنا سبأ أحاديث ومزقناهم كل ممزق كل ذلك بسبب تكذيب الرسل، والكفر بما جاءوا به. وهذا هو معنى قوله:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى} كقوم صالح وقوم