للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تشير إلى هجرة إبراهيم ومعه لوط من أرض العراق إلى الشام فرارًا بدينهما.

وقد أشار تعالى إلى ذلك في غير هذا الموضع؛ كقوله في "العنكبوت": {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَال إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} الآية، وقوله في "الصافات": {وَقَال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} على أظهر القولين؛ لأنه فار إلى ربه بدينه من الكفار. وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وَقَال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩)}: هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام ، وذلك حين خلصه الله من النار قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} أي مهاجر من بلد قومي ومولدي، إلى حيث أتمكن من عبادة ربي {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} فيما نويت إلى الصواب. وما أشار إليه جل وعلا من أنه بارك للعالمين في الأرض المذكورة، التي هي الشام على قول الجمهور في هذه الآية بقوله: {إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالمِينَ (٧١)} = بينه في غير الموضع؛ كقوله: {وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} الآية، وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} الآية. ومعنى كونه بارك فيها؛ هو ما جعل فيها من الخصب والأشجار والأنهار والثمار؛ كما قال تعالى: {لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ومن ذلك أنه بعث أكثر الأنبياء منها.

وقال بعض أهل العلم: ومن ذلك أن كل ماء عذب أصل منبعه من تحت الصخرة التي عند بيت المقدس. وجاء في ذلك حديث مرفوع، والظاهر أنه لا يصح. وفي قوله تعالى: {إِلَى الْأَرْضِ