للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الله جعل إسحاق ويعقوب من الأئمة، أي جعلهم رؤساء في الدين يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات وقوله: {بِأَمْرِنَا} أي بما أنزلنا عليهم من الوحي والأمر والنهي، أو يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم، بإرشاد الخلق ودعائهم إلى التوحيد.

وهذه الآية الكريمة تبين أن طلب إبراهيم الإمامة لذريته المذكور في سورة "البقرة" أجابه الله فيه بالنسبة إلى بعض ذريته دون بعضها، وضابط ذلك: أن الظالمين من ذريته لا ينالون الإمامة بخلاف غيرهم؛ كإسحاق ويعقوب فإنهم ينالونها كما صرح به تعالى في قوله هنا: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً}. وطلب إبراهيم هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَال لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)}. فقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} أي وإجعل من ذريتي أئمة يقتدى بهم في الخير؛ فأجابه الله بقوله: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} أي لا ينال الظالمين عهدي بالإمامة؛ على الأصوب. ومفهوم قوله: {الظَّالِمِينَ} أن غيرهم يناله عهده بالإمامة، كما صرح به هنا. وهذا التفصيل المذكور في ذرية إبراهيم أشار له تعالى في "الصافات" بقهوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)} وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَوْحَينَا إِلَيهِمْ فِعْلَ الْخَيرَاتِ} أي أن يفعلوا الطاعات، ويأمروا الناس بفعلها. وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من جملة الخيرات، فهو من عطف الخاص على العام. وقد قدمنا مرارًا النكتة البلاغية المسوغة للإطناب في عطف الخاص على العام. وعكسه في القرآن. فأغنى ذلك عن إعادته هنا.