الشافعي: القياس في معنى الأصل، وهو تنقيح المناط. وأوضحنا أنه لا ينكره إلا مكابر، وبينا الإجماع أيضًا على العمل بنوع الاجتهاد المعروف بتحقيق المناط، وأنه لا ينكره إلا مكابر، وذكرنا أمثلة له في الكتاب والسنة، وذكرنا أحاديث دالة على الاجتهاد، منها الحديث المتفق عليه المتقدم، ومنها حديث معاذ حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، وقد وعدنا بأن نذكر طرقه هنا إلى آخر ما ذكرنا هناك.
اعلم أن جميع روايات هذا الحديث المذكورة في المسند والسنن، كلها من طريق شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن أناس من أصحاب معاذ، عن معاذ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أما الرواية المتصلة الصحيحة التي ذكرنا سابقًا عن ابن قدامة في روضة الناظر أن عبادة بن نُسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، فهذا الإسناد وإن كان متصلًا ورجاله معرفون بالثقة، فإني لم أقف على من خرج هذا الحديث من هذه الطريق، إلا ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين عن أبي بكر الخطيب بلفظ: وقد قيل، إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ اهـ منه. ولفظة "قيل" صيغة تمريض كما هو معروف. وإلا ما ذكره ابن كثير في تاريخه، فإنه لما ذكر فيه حديث معاذ المذكور باللفظ الذي ذكرنا بالإسناد الذي أخرجه به الإمام أحمد قال: وأخرجه أبو داود، والترمذي من حديث شعبة به. وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل،