المنطوق به مع القطع بنفي الفارق، وكقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} فشهادة أربعة عدول المسكوت عنها أولى بالحكم وهو القبول من المنطوق به وهو شهادة العدلين مع القطع بنفي الفارق.
(والثاني منها): أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به أيضًا، إلا أن نفي الفارق بينهما ليس قطعيًّا بل مظنونًا ظنًّا قويًّا مزاحمًا لليقين, ومثاله: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التضحية بالعوراء؛ فالتضحية بالعمياء المسكوت عنها أولى بالحكم وهو المنع من التضحية بالعوراء المنطوق بها، إلا أن نفي الفارق بينهما ليس قطعيًّا بل مظنونًا ظنًّا قويًّا؛ لأن علة النهي عن التضحية بالعوراء كونها ناقصة ذاتًا وثمنًا وقيمة، وهذا هو الظاهر. وعليه فالعمياء أنقص منها ذاتًا وقيمة. وهناك احتمال آخر: هو الذي منع من القطع بنفي الفارق، وهو احتمال أن تكون علة النهي عن التضحية بالعوراء: أن العور مظنة الهزال؛ لأن العوراء ناقصة البصر، وناقصة البصر تكون ناقصة الرعي؛ لأنها لا ترى إلا ما يقابل عينًا واحدة، ونقص الرعي مظنة للهزال، وعلى هذا الوجه فالعمياء ليست كالعوراء؛ لأن العمياء يختار لها أحسن العلف؛ فيكون ذلك مظنة لسمنها.
(والثالث منها): أن يكون المسكوت عنه مساويًا للمنطوق به في الحكم مع القطع بنفي الفارق؛ كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية. فإحراق أموال اليتامى وإغراقها المسكوت عنه مساوٍ للأكل المنطوق به في الحكم الذي هو التحريم والوعيد بعذاب النار مع القطع بنفي الفارق.