للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا حكم الخبث قياسًا على الدهن. فقولك: "لا تبنى القنطرة على جنسه" ليس مناسبًا في ذاته؛ لأن بناء القنطرة على المائع في حد ذاته وصف طردي إلا أنه مستلزم للمناسب؛ لأن العادة المطردة أن القنطرة لا تبنى على المائع القليل، بل على الكثير كالأنهار، والقلة مناسبة، لعدم مشروعية المتصف بها من المائعات للطهارة العامة. فإن الشرع العام يقتضي أن تكون أسبابه عامة الوجود. أما تكليف الجميع بما لا يجده إلا البعض فبعيد من القواعد؛ فصار قولك: "لا تبنى القنطرة على جنسه" ليس بمناسب، وهو مستلزم للمناسب. وقد شهد الشرع بتأثير جنس القلة والتعذر في عدم مشروعية الطهارة، بدليل أن الماء إذا قل واشتدت إليه الحاجة فإنه يسقط الأمر بالطهارة به وينتقل إلى التيمم.

وأما الشبه الصوري: فقد قدمنا الكلام عليه مستوفى في سورة "النحل" في الكلام على قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَينِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (٦٦)} وقد قدمنا في أول سورة "براءة" كلام ابن العربي الذي قال فيه: ألا ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة كيف لجئوا إلى قياس الشبه عند عدم النص، ورأوا أن قصة "براءة" شبيهة بقصة "الأنفال" فألحقوها بها. فإذا كان القياس يدخل في تأليف القرآن؛ فما ظنك بسائر الأحكام؟ وإلى الشبه المذكور أشار في مراقي السعود بقوله:

والشبه المستلزم المناسبا ... مثل الوضو يستلزم التقربا

مع اعتبار جنسه القريب ... في مثله للحكم لا الغريب

صلاحه لم يدر دون الشرع ... ولم ينط مناسب بالسمع