لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفعلوا ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان" انتهى منه. وقوله في هذا الحديث المتفق عليه:"وكذلك الميزان" ظاهر جدًا في أن ما يوزن كما يكال، وأن في ذلك كله الربا. ولا شك أن هذه الأحاديث التي عمل بها بعض الأئمة وإن استهزأ بهم الظاهرية في ذلك؛ أقرب إلى ظاهر النص من قول الظاهرية: إنه لا ربا إلا في الستة المذكورة قبل. والمقصود التمثيل لأحوالهم مع الأئمة المجتهدين رحمهم الله.
تنبيه
اعلم أنا نقول بموجب الأحاديث التي استدل بها الظاهرية، على أن ما سكت عنه الشارع فهو عفو. ونقول مثلًا: إن صوم شهر آخر غير رمضان لم يوجب علينا فهو عفو. ولكن لا نسلم أن آية:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ساكتة عن تحريم ضرب الوالدين؛ بل نقول: هي دالة عليه، وادعاء أنها لم تتعرض لذلك باطل كما ترى. ولا نقول: إن آية {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ} الآية ساكتة عن مؤاخذة من عمل مثقال جبل؛ بل هي دالة على المؤاخذة بذلك. وهكذا إلى آخر ما ذكرنا من أمثلة ذلك في هذه المباحث، وفي سورة "بني إسرائيل". وما ذكرنا سابقًا من أن الصواب في مسألة القياس أنه قسمان، صحيح، وفاسد -كما بينا وكما أوضحه ابن القيم رحمه الله في كلامه الذي نقلنا- اعتمدَه صاحبُ مراقي السعود في قوله في القياس:
وما رُوي من ذمه فقد عُني ... به الذي على الفساد قد بُني