جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعًا كما يتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه؛ فيصير لهذا نصيب ولذلك نصيب؛ تمثيلًا لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقًا شتى اهـ.
وظاهر الآية أن "تقطع" متعدية إلى المفعول ومفعولها "أمرهم" ومعنى تقطعوه: أنهم جعلوه قطعًا كما ذكرنا. وقال القرطبي قال الأزهري:{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ} أي: تفرقوا في أمرهم فنصب {أَمْرَهُمْ} بحذف "في" ومن إطلاق الأمة بمعنى الشريعة والدين كما في هذه الآية؛ قوله تعالى عن الكفار:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي: على شريعة وملة ودين. ومن ذلك قول نابغة ذبيان:
حلفتُ فلم أترك في نفسكَ ريبةً ... وهل يأْثَمَنْ ذو إمَّةٍ وهو طائع
ومعنى قوله:"وهل يأْثَمن ذو إمّة .. إلخ" أن صاحب الدين لا يرتكب الإثم طائعًا.
وما ذكره جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين: من أن الدين واحد والرب واحد فلا داعي للاختلاف. وأنهم مع ذلك اختلفوا وصاروا فرقًا؛ أوضحه في سورة "قد أفلح المؤمنون"، وزاد أن كل حزب من الأحزاب المختلفة فرحون بما عندهم؛ وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَينَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤)}. وقوله في هذه الآية:{زُبُرًا} أي: قطعًا كزبر الحديد والفضة، أي: قطعها، وقوله: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ (٥٣)} أي: كل فرقة من هؤلاء الفرق الضالين المختلفين المتقطعين دينهم قطعًا؛ فرحون بباطلهم،