نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (١)} قالوا معناه: أن المطلق قد يحدث له ندم فلا يمكنه تداركه لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع، لم يقع طلاقه إلا رجعيا، فلا يندم.
وقد قدمنا ما ثبت عن ابن عباس من أنها تلزم مجتمعة، وأن ذلك داخل في معنى الآية، وهو واضح جدا، فاتضح أنه ليس في كتاب الله، ولا في صريح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو فعله ما يدل على عدم وقوع الثلاث.
أما من جهة صناعة علم الحديث، والأصول، فما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس المتقدم له حكم الرفع؛ لأن قول الصحابي كان يفعل كذا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، له حكم الرفع عند جمهور المحدثين والأصوليين.
وقد علمت أوجه الجواب عنه بإيضاح، ورأيت الروايات المصرحة بنسخ المراجعة بعد الثلاث، وقد قدمنا أن جميع روايات حديث طاووس عن ابن عباس المذكور عند مسلم ليس في شيء منها التصريح بأن الطلقات الثلاث بلفظ واحد، وقد قدمنا أيضا أن بعض رواياته موافقة للفظ حديث عائشة الثابت في الصحيح، وأنه لا وجه للفرق بينهما، فإن حمل على أن الثلاث مجموعة فحديث عائشة أصح، وفيه التصريح بأن تلك المطلقة لا تحل إلا بعد زوج، وإن حمل على أنها بألفاظ متفرقة، فلا دليل إذن في حديث طاووس عن ابن عباس على محل النزاع.
فإن قيل: أنتم تارة تقولون: إن حديث ابن عباس منسوخ، وتارة تقولون: ليس معناه أنها بلفظ واحد، بل بألفاظ متفرقة.