للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا المعنى الذي ذكره الزمخشري معروف في كلام العرب، تقول العرب: حجر أخلق، أي: أملس مصمت لا يؤثر فيه شيء، وصخرة خلقاء بينة الخلق، أي: ليس فيها وصم، ولا كسر، ومنه قول الأعشى:

قد يتركُ الدّهرُ في خلقاءَ راسية ... وَهْيَا وينزل منها الأعصم الصَّدعا

والدهر في البيت فاعل يترك، والمفعول به وهيا. يعني أن صرف الدهر قد يؤثر في الحجارة الصم السالمة من الكسر والوصم، فيكسرها، ويوهيها، ويؤثر في العصم من الأوعال برؤوس الجبال، فينزلها من معاقلها، ومن ذلك أيضًا قول ابن أحمر يصف فرسًا، وقد أنشده صاحب اللسان للمعنى المذكور:

بمقلّص درك الطريدة متنهُ ... كصفا الخليقة بالفضاء الملبَد

فقوله: كصفا الخليقة، يعني أن متن الفرس المذكور كالصخرة الملساء التي لا كسر فيها، ولا وصم، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته. والسهم المخلق هو الأملس المستوي.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وهذا القول هو أولى الأقوال بالصواب فيما يظهر لي؛ لجريانه على اللغة التي نزل بها القرآن وسلامته من التناقض، والله جل وعلا أعلم.

وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ}، أي: لنبين لكم بهذا النقل من طور إلى طور كمال قدرتنا على البعث بعد الموت، وعلى كل شيء؛ لأن من قدر على خلق البشر من تراب أولًا، ثم من نطفة ثانيًا، مع ما بين النطفة والتراب من المنافاة والمغايرة، وقدر على أن يجعل النطفة علقة، مع ما بينهما من التباين