فقوله "ثم هذا الآخر على إباحة"، يعني: أن النص الدال على أمر مقدم على النص الدال على إباحة، للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب.
والتحقيق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعا لقوله تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} فإن توافقا على قدر معين فالأمر واضح، وإن اختلفا فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} الآية. هذا هو الظاهر وظاهر قوله:{وَمَتِّعُوهُنَّ} وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} يقتضي وجوب المتعة في الجملة خلافا لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلا، واستدل بعض المالكية على عدم وجوب المتعة بأن الله تعالى قال: {حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)} وقال: {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} قالوا: فلو كانت واجبة لكانت حقا على كل أحد. وبأنها لو كانت واجبة لعين فيها القدر الواجب.
قال مقيده - عفا الله عنه -: هذا الاستدلال على عدم وجوبها لا ينهض فيما يظهر؛ لأن قوله: {عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)} {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} تأكيد للوجوب، وليس لأحد أن يقول: لست متقيا مثلا؛ لوجوب التقوى على جميع الناس.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى:{وَمَتِّعُوهُنَّ} الآية ما نصه: وقوله عَلَى الْمُتَّقِينَ تأكيد لإيجابها؛ لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ومعاصيه، وقد قال تعالى في القرآن: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)} وقولهم: لو كانت واجبة لعين القدر الواجب