للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلولم تكن كثرة الشعر وسواده من الجمال عندهم لما تعبوا في خدمته هذا التعب الذي ذكره هذا الشاعر. ونظيره قول الآخر:

وفرع يصير الجيد وحف كأنه ... على الليث قنوان الكروم الدوالح

قال لأن قوله: يصير الجيد، أي: يميل العنق لكثرته، وقد بالغ من قال:

بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه وهو وجف أسحم

فكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم

وأمثال هذا أكثر من أن تنحصر، وقصدنا مطلق التمثيل، وهو يدل على أن حلق المرأة شعر رأسها نقص في جمالها، وتشويه لها، فهو مثلة. وبه تعلم أن العرف الذي صار جاريًا في كثير من البلاد بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة إفرنجية مخالفة لما كان عليه نساء المسلمين، ونساء العرب قبل الإِسلام، فهو من جملة الانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق والسمت، وغير ذلك.

فإن قيل: جاء عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على حلق المرأة رأسها، وتقصيرها إياه، فما دل على الحلق، فهو ما رواه ابن حبان في صحيحه في النوع الحادي عشر من القسم الخامس، من حديث وهب بن جرير، ثنا أبي، سمعت أبا فزارة، يحدث عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالًا، وبنى بها، وماتت بسرف فدفنها في الظلة التي بني بها فيها، فنزلها قبرها أنا وابن عباس، فلما وضعناها في اللحد مال رأسها، فأخذت ردائي فوضعته تحت رأسها فاجتذبه ابن عباس، فألقاه وكانت قد حلقت