وقد قدمنا أن الصحيح عند أهل الأصول أن الأمر المتجرد عن القرائن يدل على الوجوب، وبينا أدلة ذلك من الكتاب والسنة، ورجحناه بالأدلة الكثيرة الواضحة، كقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية، وقوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)} فسمى مخالفة الأمر معصية، وقوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} الآية. فجعل أمره وأمر رسوله مانعًا من الاختيار، موجبًا للامتثال، وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" الحديث إلى آخر ما قدمنا.
وحديث جندب بن سفيان الذي ذكرناه عن البخاري أخرجه أيضًا مسلم في صحيحه بلفظ "من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي، فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله" وصيغة الأمر بالذبح في حديثه واضحة كما بينا دلالتها على الوجوب آنفًا.
ومن أدلتهم على وجوب الأضحية: ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا مسدد، ثنا يزيد (ح) وثنا حميد بن مسعدة، ثنا بشر، عن عبد الله بن عون، عن عامر أبي رملة قال: أخبرنا مخنف بن سليم قال: ونحن وقوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفات قال: قال: "يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هي: التي يقول عنها الناس: الرجبية". اهـ منه.
وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث: رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسن.