قال الحافظ: قلت: قد صححه الطحاوي، وأبو علي بن السكن، فأين الاتفاق. انتهى منه.
وقد تركنا تتبع الأحاديث الواردة فيه، ومناقشتها اختصارًا. والأحوط لزوم الكفارة؛ لأن الأمر مقدم على الإباحة كما تقرر في الأصول؛ للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب. فمن أخرج كفارة عن نذر المعصية، فقد برئ من المطالبة بها باتفاق الجميع ومن لم يخرجها بقي مطالبًا بها على قول أحمد، ومن ذكرنا معه.
الفرع الثالث: اعلم أن من نذر شيئًا من الطاعة لا يقدر عليه لا يلزمه الوفاء به؛ لعجزه عنه.
واختلف فيما يلزمه في ذلك المعجوز عنه، فلو نذر مثلًا أن يحج، أو يعتمر ماشيًا على رجليه، وهو عاجز عن المشي جاز له الركوب؛ لعجزه عن المشي، وإن قدر على المشي لزمه.
وفي حالة ركوبه عند العجز اختلف العلماء فيما يلزمه فقال بعضهم: لا شيء عليه؛ لأنه عاجز واللَّه يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} فقد عجز عما نذر، ولا يلزمه شيء غير ما نذر. وقال بعضهم: تلزمه كفارة يمين. وقال بعضهم: يلزمه صوم ثلاثة أيام. وقال بعضهم: تلزمه بدنة. وقال بعضهم: يلزمه هدي.
قال ابن قدامة في المغني: وجملته أن من نذر المشي إلى بيت الله الحرام، لزمه الوفاء بنذره. وبهذا قال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو عبيد، وابن المنذر، ولا نعلم فيه خلافًا، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" ولا يجزئه المشي إلَّا في