وقد بين في مواضع كثيرة أنه أهلك الذين كذبوا موسى، وهم فرعون وقومه بالغرق، كقوله: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤)} وقوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨)} الآية، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)} إلى غير ذلك من الآيات.
ومعلوم أن الآيات كثيرة في بيان ما أهلكت به هذه الأمم السبع المذكورة، وقد ذكرنا قليلًا منها كالمثال لغيره، وكل ذلك يوضح معنى قوله تعالى بعد أن ذكر تكذيب الأمم السبع لأنبيائهم:{فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} أي: بالعذاب، وهو ما ذكرته بعض الآيات الدالة على تفاصيله.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٤)} النكير: اسم مصدر، بمعنى الإِنكار، أي: كيف كان إنكاري عليهم منكرهم، الذي هو كفرهم بي، وتكذيبهم رسلي، وهو ذلك العذاب المستأصل الذي بينا، وبعده عذاب الآخرة الذي لا ينقطع. نرجو الله لنا ولإِخواننا المسلمين العافية من كل ما يسخط خالقنا، ويستوجب عقوبته. والجواب: إنكارك عليهم بذلك العذاب واقع موقعه على أكمل وجه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فجزاء العمل البالغ غاية القبح بالنكال العظيم جزاء وفاق واقع موقعه، فسبحان الحكيم الخبير الذي لا يضع الأمر إلا في موضعه، ولا يوقعه إلا في موقعه.
وقرأ هذا الحرف ورش وحده عن نافع:{فكيف كان نكيري} بياء المتكلم بعد الراء وصلًا فقط. وقرأ الباقون بحذفها اكتفاء بالكسرة عن الياء.