للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} الظاهر أن المراد بالوعد هنا: هو ما أوعدهم به من العذاب الذي يستعجلون نزوله.

والمعنى: هو منجز ما وعدهم به من العذاب إذا جاء الوقت المحدد لذلك، كما قال تعالى: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٣)} وقوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨)} وقوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١)} وبه تعلم أن الوعد يطلق في القرآن على الوعد بالشر.

ومن الآيات الموضحة لذلك قوله تعالى: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)} فإنه قال في هذه الآية في النار: (وعدها الله) بصيغة الثلاثي الذي مصدره الوعد، ولم يقل: أوعدها.

وما ذكر في هذه الآية من أن ما وعد به الكفار من العذاب واقع لا محالة، وأنه لا يخلف وعده بذلك جاء مبينا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في سورة ق: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} الآية. والصحيح أن المراد بقوله: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} أن ما أوعده الكفار به من العذاب لا يبدل لديه، بل هو واقع لا محالة، وقوله تعالى: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤)} أي: وجب وثبت فلا يمكن عدم وقوعه بحال، وقوله تعالى: {إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (١٤)} كما أوضحناه في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة الأنعام، في الكلام على قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية. وأوضحنا أنما أوعد