للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قدمنا أن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولًا، وتكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول. وجئنا بأمثلة كثيرة في الترجمة، وفيما مضى من الكتاب، وفي هذه الآيات قرينتان تدلان على أن قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم غير صواب.

إحداهما: أن الله قال: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} أي: القرآن، ومعلوم أن إبراهيم لم يسمهم المسلمين في القرآن، لنزوله بعد وفاته بأزمان طويلة كما نبه على هذا ابن جرير.

القرينة الثانية: أن الأفعال كلها في السياق المذكور راجعة إلى الله، لا إلى إبراهيم، فقوله: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ} أي: الله (وما جعل عليكم في الدين من حرج) أي: الله، (هو سماكم المسلمين) أي: الله.

فإن قيل: الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور للضمير المذكور: هو إبراهيم.

فالجواب: أن محل رجوع الضمير إلى أقرب مذكور محله ما لم يصرف عنه صارف، وهنا قد صرف عنه صارف؛ لأن قوله: (وفي هذا) يعني القرآن دليل على أن المراد بالذي سماهم المسلمين فيه: هو الله، لا إبراهيم، وكذلك سياق الجمل المذكورة قبله، نحو: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} يناسبه أن يكون (هو سماكم) أي: الله المسلمين.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية بعد أن ذكر أن الذي سماهم المسلمين من قبل وفي هذا: هو الله، لا إبراهيم ما نصه: