أدائها بالإيتاء، كقوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله: {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} ونحو ذلك. وهذه الزكاة المذكورة هنا، لم يعبر عنها بالإِيتاء، بل قال تعالى فيها: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤)} فدل على أن هذه الزكاة: أفعال المؤمنين المفلحين، وذلك أولى بفعل الطاعات، وترك المعاصي من أداء مال.
الثالثة: أن زكاة الأموال تكون في القرآن عادة مقرونة بالصلاة، من غير فصل بينهما، كقوله:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} وقوله: {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} وهذه الزكاة المذكورة هنا فصل بين ذكرها وبين ذى الصلاة بجملة: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣)}.
والذين قالوا: المراد بها زكاة الأموال قالوا: إن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة، وأن الزكاة التي فرضت بالمدينة سنة اثنتين هي ذات النصب، والمقادير الخاصة.
وقد أوضحنا هذا القول في الأنعام في الكلام على قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وقد يستدل لأن المراد بالزكاة في هذه الآية غير الأعمال التي تزكى بها النفوس من دنس الشرك والمعاصي، بأنا لو حملنا معنى الزكاة على ذلك، كان شاملًا لجميع صفات المؤمنين المذكورة في أول هذه السورة، فيكون كالتكرار معها، والحمل على التأسيس والاستقلال أولى من غيره، كما تقرر في الأصول. وقد أوضحنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} الآية.