بذلك قد ابتغى وراء ما أحله الله، فهو من العادين بنص هذه الآية الكريمة المذكورة هنا، وفي سورة (سأل سائل) وقد ذكر ابن كثير: أن الشافعي ومن تبعه استدلوا بهذه الآية على منع الاستمناء باليد. وقال القرطبي: قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز، قال: سألت مالكًا عن الرجل يجلد عميرة، فتلا هذه الآية {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥)} إلى قوله {الْعَادُونَ (٧)}.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن استدلال مالك، والشافعي وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة.
وما روي عن الإِمام أحمد مع علمه، وجلالته وورعه من إباحة جلد عميرة مستدلًا على ذلك بالقياس قائلًا: هو إخراج فضلة من البدن تدعو الضرورة إلى إخراجها فجاز، قياسًا على الفصد والحجامة، كما قال في ذلك بعض الشعراء:
إذا حللت بواد لا أنيس به ... فاجلد عميرة لا عار ولا حرج
فهو خلاف الصواب وإن كان قائله في المنزلة المعروفة التي هو بها، لأنه قياس يخالف ظاهر عموم القرآن. والقياس إن كان كذلك رد بالقادح المسمى فساد الاعتبار، كما أوضحناه في هذا الكتاب المبارك مرارًا، وذكرنا فيه قول صاحب مراقي السعود:
والخلف للنص أو إجماع دعا ... فساد الاعتبار كل من وعى
فاللَّه جل وعلا قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥)} ولم يستثن من ذلك البتة إلَّا النوعين المذكورين في قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى