أن يذهبه، فيهلك جميع الخلق بسبب ذهاب الماء من أصله جوعًا وعطشًا، وبين أنه أنزله بقدر، أي: بمقدار معين عنده يحصل به نفع الخلق، ولا يكثره عليهم حتى يكون كطوفان نوح؛ لئلا يهلكهم، فهو ينزله بالقدر الذي به المصلحة، دون المفسدة سبحانه جل وعلا ما أعظمه، وما أعظم لطفه بخلقه. وهذه المسائل الثلاث التي ذكرها في هذه الآية الكريمة جاءت مبينة في غير هذا الموضع.
الأولى: التي هي كونه أنزله بقدر أشار إليها في قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)}.
والثانية: التي هي إسكانه الماء المنزل من السماء في الأرض بينها في قوله جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} والينبوع: الماء الكثير، وقوله: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (٢٢)} على ما قدمنا في الحجر.
والثالثة: التي هي قدرته على إِذهابه أشار لها في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)} ويشبه معناها قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (٧٠)} لأنه إذا صار ملحًا أجاجًا لا يمكن الشرب منه ولا الانتفاع به صار في حكم المعدوم.
وقد بين كيفية إنزاله الماء من السماء في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} فصرح بأن الودق الذي هو المطر يخرج من خلال السحاب الذي هو المزن، وهو الوعاء الذي فيه الماء، وبين أن السحابة تمتلئ من الماء حتى تكون ثقيلة لكثرة ما فيها من الماء في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} الآية. فقوله: ثقالًا جمع ثقيلة، وثقلها