فمثل هؤلاء داخلون في قوله: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٥٠)} بعد قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا}.
وقد صرح في قوله:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ} أنه تعالى هو مصرف الماء، ومنزله حيث شاء كيف شاء. ومن قبيل هذا المعنى: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في أثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر بي. فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" هذا لفظ مسلم رحمه الله في صحيحه، ولا شك أن من قال: مطرنا ببخار كذا مسندًا ذلك للطبيعة أنه كافر باللَّه، مؤمن بالطبيعة والبخار. والعرب كانوا يزعمون أن بعض المطر أصله من البحر إلا أنهم يسندون فعل ذلك للفاعل المختار جل وعلا. ومن أشعارهم في ذلك قول طرفة بن العبد:
لا تلمني إنها من نسوة ... رقد الصيف مقاليت نزر
كبنات البحر يمأدن إذا ... أنبت الصيف عساليج الخضر
فقوله: بنات البحر يعني: المزن التي أصل مائها من البحر.
وقول أبي ذؤيب الهذلي:
سقى أم عمرو كل آخر ليلة ... حناتم غرماؤهن ثجيج
شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج
ولا شك أن خالق السموات والأرض جل وعلا هو منزل المطر