وكذبوا الرسل. قد أوضحنا الآيات الدالة عليه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقوله هنا {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَينَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦)} الظاهر أن معنى قولهم: {غَلَبَتْ عَلَينَا شِقْوَتُنَا} أن الرسل بلغتهم، وأنذرتهم، وتلت عليهم آيات ربهم، ولكن ما سبق في علم الله من شقاوتهم الأزلية غلب عليهم، فكذبوا الرسل، ليصيروا إلى ما سبق في علمه جل وعلا من شقاوتهم. ونظير الآية على هذا الوجه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦)} وقوله عن أهل النار: {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١)} إلى غير ذلك من الآيات. ويزيد ذلك إيضاحًا قوله - صلى الله عليه وسلم - :"كلّ ميسر لما خلق له" وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} وقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} على أصح التفسيرين وقوله عنهم: {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦)} اعتراف منهم بضلالهم، حيث لا ينفع الاعتراف بالذنب، ولا الندم عليه، كقوله تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)} ونحو ذلك من الآيات.
وهذا الذي فسرنا به الآية هو الأظهر الذي دلّ عليه الكتاب والسنة، وبه تعلم أن قول أبي عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية: وأحسن ما قيل في معناه: غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا، فسمى اللذات والأهواء شقوة؛ لأنهما يؤديان إليها كما قال الله عزَّ وجلَّ:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} لأن ذلك يؤديهم إلى النار. اهـ. تكلف مخالف للتحقيق.