وساق ابن كثير في تفسير هذه الآية الأحاديث التي ذكرنا بأسانيدها، وقال في حديث عمرو بن شعيب هذا: قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وقد رواه أَبو داود، والنسائي في كتاب النكاح من سننهما من حديث عبيد الله بن الأخنس به.
قالوا: فهذه الأحاديث وأمثالها تدل على أن النكاح في قوله: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} أنَّه التزويج لا الوطء، وصورة النزول قطعية الدخول، كما تقرر في الأصول. قالوا: وعلى أن المراد به التزويج، فتحريم نكاح الزانية والزاني منصوص في قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)}.
وقال ابن القيم في زاد المعاد ما نصه: وأما نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه، ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه، ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه، وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه، فقال: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)} ولا يخفى أن دعوة النسخ للآية بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} من أضعف ما يقال، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى؛ إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يَزْنِي إلَّا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزنى بها إلَّا زان أو مشرك، وكلام الله ينبغي أن يصان عن مثل هذا.
وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة، في غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف، وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإِماء