للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: يقدم الاستئذان، والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام، وإلَّا قدم الاستئذان، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان في تقديم السلام. انتهي محل الغرض منه بلفظه. ولا يخفي أن ما صح فيه حديثان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدم على غيره، فلا ينبغي العدول عن تقديم السلام على الاستئذان، وتقديم الاستئناس الذي هو الاستئذان على السلام في قوله: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} لا يدل على تقديم الاستئذان؛ لأن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب، وإنما يقتضي مطلق التشريك، فيجوز عطف الأول على الأخير بالواو، كقوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} والركوع قبل السجود، وقوله تعالى: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} الآية، ونوح قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا معروف، ولا ينافي ما ذكرنا أن الواو ربما عطف بها مرادًا بها الترتيب كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الآية، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "أبدأ بما بدأ الله به" وفي رواية "ابدأوا بما بدأ الله به" بصيغة الأمر، وكقول حسان رضي الله عنه:

هجوت محمدًا وأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء

على رواية الواو في هذا البيت.

وإيضاح ذلك أن الواو عند التجرد من القرائن والأدلة الخارجية لا تقتضي إلَّا مطلق التشريك بين المعطوف، والمعطوف عليه، ولا ينافي ذلك أنه إن قام دليل على إرادة الترتيب في العطف، كالحديث المذكور في البدء بالصفا، أو دلت على ذلك قرينة كالبيت المذكور؛ لأن جواب الهجاء لا يكون إلَّا بعده، أنها تدل على الترتيب؛ لقيام الدليل أو القرينة على ذلك، والآية التي نحن بصددها