وإذا علمت ذلك فاعلم أن تخصيصه من يسبح له فيها بالرجال في قوله: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ} يدل بمفهومه على أن النساء يسبحن له في بيوتهن لا في المساجد. وقد يظهر للناظر أن مفهوم قوله: رجال مفهوم لقب. والتحقيق عند الأصوليين أنه لا يحتج به.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: لا شك أن مفهوم الرجال مفهوم لقب بالنظر إلى مجرد لفظه، وأن مفهوم اللقب ليس بحجة على التحقيق، كما أوضحناه في غير هذا الموضع. ولكن مفهوم الرجال هنا معتبر، وليس مفهوم لقب على التحقيق، وذلك لأن لفظ الرجال، وإن كان بالنظر إلى مجرده اسم جنس جامد وهو لقب بلا نزاع، فإنه يستلزم من صفات الذكورة ما هو مناسب لإِناطة الحكم به، والفرق بينه وبين النساء؛ لأن الرجال لا تخشى منهم الفتنة، وليسوا بعورة بخلاف النساء، ومعلوم أن وصف الذكورة وصف صالح لإِناطة الحكم به الذي هو التسبيح في المساجد، والخروج إليها دون وصف الأنوثة.
والحاصل: أن لفظ الرجال في الآية، وإن كان في الاصطلاح لقبًا فإنما يشتمل عليه من أوصاف الذكورة المناسبة للفرق بين الذكور والإِناث، يقتضي اعتبار مفهوم المخالفة في لفظ رجال، فهو في الحقيقة مفهوم صفة، لا مفهوم لقب؛ لأن لفظ الرجال مستلزم لأوصاف صالحة لإِناطة الحكم به، والفرقِ في ذلك بين الرجال والنساء، كما لا يخفى.
المسألة الثالثة: إذا علمت أن التحقيق أن مفهوم قوله: (رجال) مفهوم صفة باعتبار ما يستلزمه من صفات الذكورة المناسبة