للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومفهومه أنهم إن لم يخافوا عدم القسط لم يؤمروا بمجاوزتهن إلى غيرهن، بل يجوز لهم حينئذ الاقتصار عليهن، وهو واضح كما ترى، إلا أنه تعالى لما أمر بمجاوزتهن إلى غيرهن عند خوفهم أن لا يقسطوا فيهن أشار إلى القدر الجائز من تعدد الزوجات، ولا إشكال في ذلك. والله أعلم.

وقال بعض العلماء: معنى الآية {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أي: إن خشيتم ذلك فتحرجتم من ظلم اليتامى فاخشوا أيضا وتحرجوا من ظلم النساء بعدم العدل بينهن، وعدم القيام بحقوقهن، فقللوا عدد المنكوحات، ولا تزيدوا على أربع، وإن خفتم عدم إمكان ذلك مع التعدد فاقتصروا على الواحدة؛ لأن المرأة شبيهة باليتيم، لضعف كل واحد منهما، وعدم قدرته على المدافعة عن حقه، فكما خشيتم من ظلمه فاخشوا من ظلمها.

وقال بعض العلماء: كانوا يتحرجون من ولاية اليتيم، ولا يتحرجون من الزنى، فقيل لهم في الآية: إن خفتم الذنب في مال اليتيم فخافوا ذنب الزنا، فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ولا تقربوا الزنا. وهذا أبعد الأقوال فيما يظهر. والله تعالى أعلم.

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أيضا: أن من كان في حجره يتيمة لا يجوز له نكاحها إلا بتوفيته حقوقها كاملة، وأنه يجوز نكاح أربع، ويحرم الزيادة عليها، كما دل على ذلك أيضا إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف الضال، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لغيلان بن سلمة: "اختر منهن أربعا وفارق سائرهن". وكذا قال للحارث بن قيس الأسدي، وأنه مع خشية عدم العدل لا يجوز نكاح غير واحدة.