للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن عطية: تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة، والأزمان، والمقادير، والمصلحة، والإِتقان. انتهى بواسطة نقل أبي حيان في البحر.

تنبيه

في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: الخلق في اللغة العربية معناه التقدير، ومنه قول زهير:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـض القوم يخلق ثم لا يفري

قال بعضهم: ومنه قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)} قال: أي: أحسن المقدرين. وعلى هذا فيكون معنى الآية: وخلق كل شيء، أي: قدر كل شيء فقدره تقديرًا. وهذا تكرار كما ترى، وقد أجاب الزمخشري عن هذا السؤال، وذكر أبو حيان جواب في البحر ولم يتعقبه.

والجواب المذكور هو قوله: فإن قلت: في الخلق معنى التقدير، فما معنى قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)} كأنه قال: وقدر كل شيء فقدره؟

قلت: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية، فقدره وهيأه لما يصلح له.

مثاله: أنه خلق الإِنسان على هذا الشكل المقدر المسوى، الذي تراه، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا. وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدرة بأمثلة الحكمة والتدبير، فقدره لأمر ما ومصلحة مطابقًا لما قدر له غير متجاف عنه، أو سمي إحداث الله خلقًا؛ لأنه لا يحدث شيئًا لحكمته إلَّا على وجه التقدير غير متفاوت، فإذا قيل: خلق الله