ونظير هذا من النصب بأن المستترة بعد الفاء التي هي جواب التحضيض قوله تعالى: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠)}؛ لأن قوله:(لولا أخرتني) طلب منه للتأخير بحث وشدة كما دل عليه حرف التحضيض الذي هو لولا، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر:
لولا تعوجين يا سلمى على دنف ... فتخمدي نار وجد كاد يفنيه
فقوله تعالى في الآية الكريمة:(فأصدقَ) بالنصب، وقول الشاعر: فتخمدي منصوب أيضًا بحذف النون؛ لأن الفاء في جواب الطلب المحض الذي هو التحضيض.
واعلم أن جزم الفعل المعطوف على الفعل المنصوب أعني قوله:{فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} إنما ساغ فيه الجزم؛ لأنه عطف على المحل؛ لأن الفاء لو حذفت مع قصد جواب التحضيض لجزم الفعل، وجواز الجزم المذكور عند الحذف المذكور هو الذي سوغ عطف المجزوم على المنصوب. وقد أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
وبعد غير النفي جزما اعتمد ... إن تسقط الفا والجزاء قد قصد
وبما ذكرنا تعلم أن ما ذكره القرطبي وغيره، وأشار له الزمخشري من أن لولا في الآية للاستفهام، ليس بصحيح.
واعلم أن الكفار في هذه الآية الكريمة اقترحوا بحث وشدة عليه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمور:
الأول: أن ينزل إليه ملك، فيكون معه نذيرًا، أي: يشهد له بالصدق، ويعينه على التبليغ.