لا ينافي ذلك؛ لأن من اتخاذهم آيات الله هزوًا تكذيبهم بالساعة، وإنكارهم البعث كما لا يخفى، وكقوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥)} فقد بين جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة من سورة الرعد أن إنكارهم البعث الذي عبروا عنه باستفهام الإِنكار في قوله تعالى عنهم: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} جامع بين أمرين:
الأول منهما: أنه عجب من العجب؛ لكثرة البراهين القطعية الواضحة الدالة على ما أنكروه.
والثاني منهما، وهو محل الشاهد من الآية: أن إنكارهم البعث المذكور كفر مستوجب للنار وأغلالها والخلود فيها، وذلك في قوله تعالى مشيرًا إلى الذين أنكروا البعث {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥)} ومعلوم أن إنكار البعث إنكار للساعة، وكقوله تعالى: {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦)} أي: لا يصدنك من لا يؤمن بالساعة عن الإِيمان بها، {فَتَرْدَى (١٦)} أي: تهلك لعدم إيمانك بها. والردى الهلاك، وهو هنا عذاب النار بسبب التكذيب بالساعة. وقد قال تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (١١)}. وقوله تعالى في آية طه هذه: {تَرَدَّى (١١)} يدل دلالة واضحة على أنه إن صده من لا يؤمن بالساعة من التصديق بها، أن ذلك يكون سببًا لرداه، أي: هلاكه بعذاب النار كما لا يخفى، وكقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (١٦)} فآية الروم هذه تدل على أن الذين كذبوا بلقاء الآخرة، وهم الذين كذبوا بالساعة