غليانها من شدة غيظها. ولما كان سبب الغليان التغيظ أطلقه عليه. وذلك أسلوب عربي معروف. وقال بعض أهل العلم: سمعوا لها تغيظًا، أي: أدركوه، والإِدراك يشمل الرؤية والسمع. وعلى هذا فالسمع مضمن معنى الإِدراك. وما ذكرنا أظهر.
وقال القرطبي: قيل: المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم، ثم ذكر في آخر كلامه أن هذا القول هو الأصح.
مسألة
اعلم أن التحقيق أن النار تبصر الكفار يوم القيامة، كما صرح الله بذلك في قوله هنا:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} ورؤيتها إياهم من مكان بعيد تدل على حدة بصرها كما لا يخفى، كما أن النار تتكلم كما صرح الله به في قوله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)} والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، كحديث محاجة النار مع الجنة، وكحديث اشتكائها إلى ربها، فأذن لها في نفسين، ونحو ذلك. ويكفي في ذلك أن الله جلَّ وعلا صرح في هذه الآية أنها تراهم، وأن لها تغيظًا على الكفار، وأنها تقول: هل من مزيد.
واعلم أن ما يزعمه كثير من المفسرين وغيرهم من المنتسبين للعلم من أن النار لا تبصر، ولا تتكلم، ولا تغتاظ، وأن ذلك كله من قبيل المجاز، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها كله باطل ولا معول عليه؛ لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند، والحق هو ما ذكرنا.